” البناء على الفرص “ تمهيد شهد ربع القرن الأخير تزايدا ملحوظا في الاهتمام بدمج الشركات ومؤسسات الأعمال التجارية عبر العالم في قضايا حقوق الإنسان والعمل والبيئة ومكافحة الفساد خاصة في ضوء ارتباط هذه القضايا بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة SDGs ، وكنتيجة لتصاعد التأثير الاجتماعي للشركات ومؤسسات الأعمال ، فضلا عن اهتمام منظومة حقوق
” البناء على الفرص “
تمهيد
شهد ربع القرن الأخير تزايدا ملحوظا في الاهتمام بدمج الشركات ومؤسسات الأعمال التجارية عبر العالم في قضايا حقوق الإنسان والعمل والبيئة ومكافحة الفساد خاصة في ضوء ارتباط هذه القضايا بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة SDGs ، وكنتيجة لتصاعد التأثير الاجتماعي للشركات ومؤسسات الأعمال ، فضلا عن اهتمام منظومة حقوق الإنسان بالامم المتحدة بهذه القضية، وهو الاهتمام الذي تم تتويجه بتبني مبادىء توجيهية اعتمدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2011.
الاعمال التجارية وحقوق الانسان ..المرجعيات والتوجهات العالمية
من منظور حقوقي ،يستند هذا الاهتمام المتصاعد الي المبادىء التوجيهية للامم المتحدة بشأن الاعمال التجارية وحقوق اللإنسان والتي اعتمدها مجلس حقوق الانسان بقراره رقم 17/4 في يونيه 2011 .
وعلى الرغم من ان المبادىء التوجيهية المشار اليها هي الاساس في تحديد مسئولية الدول والمؤسسات التجارية عن حماية واحترام حقوق الانسان في سياق الممارسات التجارية، الا ان هناك عدد من المبادىء والصكوك الاخرى السابقة واللاحقة لاعتماد المبادىء التوجيهية يجب اخذها بعين الاعتبار ونحن بصدد مناقشة هذا الموضوع، واهم هذه المبادىء والصكوك ما يلي :-
- الاتفاق العالمي للأمم المتحدة UN Global Compact الذي تم اطلاقه لتحفيز الشركات على مواءمة استراتيجياتها وعملياتها مع عشرة مبادئ عالمية تتعلق بحقوق الإنسان، والعمل، والبيئة ومكافحة الفساد.
- مبادرة الامم المتحدة للاستثمار المسئول UN PRI .
- المبادرتين الماليتين لبرنامج الامم المتحدة للبيئة UNEPFI ، وهما مبادىء الصيرفة المسئولة PRB ، ومبادىء التامين المستدام PSI
- مبادرة منظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية UNTD للبورصات المستدامة SSEI .
وتكتسب هذه القضية اهمية متزايدة مؤخرا للعالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص لاسباب متعددة، اهمها الدور المحوري والمؤثر الذي تلعبه المؤسسات التجارية ومؤسسات الاعمال في تعزيز او تقويض العدالة التنموية ، وارتباط قدرة دول العالم – وبخاصة الدول العربية – على تحقيق الرفاه لمواطنيها بقدرتها على جذب الاستثمارات وتشجيع وتوطين الاعمال التجارية العابرة للحدود، فضلا عن التشابكات المعقدة لسلاسل التجارة العالمية والتطور التكنولوجي الهائل الذي يتم توظيفه في خدمة الاستثمار والتجارة والاقتصاد العالمي، وفي نفس الوقت فانها ترتبط بطموحات شعوب المنطقة العربية والتزامات حكوماتها نحو تطبيق معايير حقوق الانسان .
واجب الدول في الحماية .. الادوار والابعاد
إنّ الدول ملزمة، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بحماية الناس من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أطراف ثالثة، بما في ذلك المؤسسات التجارية، ضمن أراضيها و/ أو ولايتها القضائية، ويعد الدور الحمائي للدولة هو حجر الزاوية للمبادئ التوجيهية ، حيث يجب ان تستخدم الدولة سلطاتها التنظيمية والسياساتية والتشريعية والرقابية في ضمان الامتثال لمعايير حقوق الانسان في الممارسات التجارية، وضمان وصول من انتهكت حقوقهم لاليات الانتصاف وجبر الضرر والتعويض العادل .
وعند النظر الى دور الدولة في الحماية من انتهاكات حقوق الانسان في الاعمال التجارية، يجب ان نتعمق الى مستوى تحليل الادوار والادوات الفرعية التي تملكها الدولة وتحدد قدرتها على التدخل وتطبيق هذه الادوات ، وهو ما يمكن تلخيصه فيما يلي [1]:-
أولا : الدولة كمسئول أساسي عن الحماية من انتهاكات حقوق الانسان
في اطار هذا الدور يتوجب على الدول أن تحمي من انتهاك حقوق الإنسان داخل إقليمها و /أو ولايتها القضائية من جانب أطراف ثالثة، بما فيها المؤسسات التجارية ويقتضي ذلك اتخاذ خطوات مناسبة لمنع هذا الانتهاك والتحقيق فيه والمعاقبة عليه والانتصاف منه من خلال سياسات وتشريعات وأنظمة وأحكام قضائية فعالة، كما وانه في سياق ذات الدور يتوجب على الدول أن تعلن بوضوح توقعها من جميع المؤسسات التجارية المقيمة في إقليمها و/أو ولايتها القضائية أن تحترم حقوق الإنسان في كل عملياﺗﻬا.
ثانيا : الدولة كمنظم لانشطة الاعمال التجارية
الدولة هي الطرف المسئول عن تنظيم الانشطة الاقتصادية ، ويشمل هذا الدور وضع القوانين والتشريعات واللوائح المنظمة لممارسة الاعمال التجارية ، الترخيص والتصريح بالدخول للسوق، الرقابة على الاداء والتقييم والمتابعة ، ومن هذا المنظور فان الدولة عليها القيام بما يلي :-
- سن وإنفاذ القوانين التي يكون الهدف منها، أو الأثر المترتب عنها، هو طلب أن تحترم المؤسسات التجارية حقوق الإنسان، وأن تقيّم دوريًا مدى كفاية هذه القوانين وتجري التعديلات اللازمة وتسد الثغرات ، وهو ما يتطلب ان يتسم الاداء التشريعي للدولة بالديناميكية وملاحقة التطوات التكتولوجية والتطورات المصاحبة له في طبيعة وانماط الممارسات التجارية .
- كفالة ألاَّ تكون القوانين والسياسات الأخرى التي تنظم إنشاء المؤسسات التجارية وعملياﺗﻬا الجارية، مثل قانون الشركات، وقانون الاستثمار مقيِّدًة لاحترام الأعمال التجارية لحقوق الإنسان بل مُمكنَّة من ذلك، وهو ما يتطلب شمولية المنظور التشريعي في تنظيم الاعمال التجارية والنظر في العلاقات المتبادلة بين التشريعات والقوانين واللوائح الناظمة .
- تشجيع المؤسسات التجارية على الإبلاغ عن طريقة معالجة آثارها على حقوق الإنسان، ومطالبتها بذلك عند الاقتضاء : وهنا تلعب ادوات الافصاح ومشاركة المعلومات والشفافية دورا جوهريا في الوصول الى هذه الغاية.
ثالثا : الدولة كطرف في العلاقات التجارية
الدولة بصورة او باخرى تكون طرف في الكثير من المعاملات التجارية ، ليس فقط من منظور المنظم ، ولكن ايضا من منظور انها قد تكون متلقي لخدمة او مستهلك لسلعة مقدمة من خلال مؤسسة اعمال ، كما قد تكون هي ذاتها شريك في بعض مؤسسات الاعمال ، وهنا يجب ان تمتد ممارسات الدولة الى ما يلي :-
- اتخاذ خطوات إضافية للحماية من انتهاكات حقوق الإنسان من جانب المؤسسات التجارية التي تملكها الدولة أو تسيطر عليها، أو التي تتلقى دعمًا وخدمات ملموسة من وكالات الدولة مثل وكالات دعم التصدير ووكالات التامين، وتشمل تلك الخطوات بذل العناية الواجبة لمنع وقوع انتهاكات حقوق الانسان .
- ينبغي للدول أن تمارس الرقابة الكافية من أجل الوفاء بالتزاماﺗﻬا الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عندما تتعاقد مع المؤسسات التجارية من أجل تقديم خدمات قد تؤثر على التمتع بحقوق الإنسان
- ينبغي للدول أن تعزز احترام حقوق الإنسان من جانب المؤسسات التجارية التي تجري معها معاملات تجارية
- ينبغي للدول أن تحتاط عند الدخول في اتفاقيات او علاقات تجارية ذات طبيعة عابرة للحدود ،حيث قد تصبح ملزمة بموجب هذه الاتفاقيات والعقود بتنفيذ احكام قانونية او الخضوع لمسارات تحكيم متجاوزة للقوانين والتشريعات الوطنية، وهنا يجب على الدولة ان تحتفظ لنفسها بحيز للسياسات الداخلية كافٍ للوفاء بالتزاماﺗﻬا المتعلقة بحقوق الإنسان، وعدم السماح بتاثير هذه الاتفاقيات والنظم القانونية الحاكمة لها بالتاثير على قدرة الدولة وادواتها في التدخل من اجل الحماية من الانتهاكات .
رابعا :- الدور التنويري والارشادي للدولة
أدوات الدولة في التنظيم والرقابة تحتاج لتدعيمها بدور أخر أكثر ايجابية ، يشجع مؤسسات الاعمال وموظفي الدولة نفسها على التصرف بطريقة تحترم حقوق الانسان ، ويشمل هذا الدور ما يلي :-
- تقديم إرشادات فعالة إلى المؤسسات التجارية عن طريقة احترام حقوق الإنسان في جميع عملياﺗﻬا، والدولة هنا يجب ان تلعب من خلال مؤسساتها المعنية دورا مرشدا وداعما وميسرا لتمكين المؤسسات التجارية من الوفاء بالتزامتها في احترام حقوق الانسان .
- ينبغي للدول أن تكفل وعي الإدارات والوكالات وغيرها من المؤسسات الحكومية التي تحدد شكل الممارسات المتبعة في الأعمال التجارية بالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان ومراعاﺗﻬا لها عند وفائها بولاياﺗﻬا المختلفة، بوسائل منها تزويدها بما يلزم من المعلومات والتدريب والدعم.
خامسا : الدولة كطرف في التجمعات والمؤسسات متعددة الاطراف
اصبحت التكتلات الاقتصادية والتجارية بين الدول سمة العصر ، وهو امر فرضته مقتضيات التكامل والتحديات الاقتصادية والمصالح المشتركة ومعطيات التجارة الدولية وسلاسل التوريد، وهنا يجب على الدولة بطرفها عضو في احد التجمعات او المؤسسات متعددة الاطراف ان تتخذ الاجراءات اللازمة لضمان حماية حقوق الانسان ، وهو ما يتاتي بالعمل على محورين متكاملين كالتالي :-
- السعي إلى كفالة ألا تقيد تلك المؤسسات قدرة دولها الأعضاء على الوفاء بواجبها في الحماية وألا تعيق احترام المؤسسات التجارية لحقوق الإنسان؛
- تشجيع تلك المؤسسات، في حدود ولايات وقدرات كل منها، على تعزيز احترام الأعمال التجارية لحقوق الإنسان، وعند الاقتضاء، مساعدة الدول على الوفاء بواجبها في الحماية من انتهاك المؤسسات التجارية لحقوق الإنسان، بوسائل منها المساعدة التقنية، وبناء القدرات، وإذكاء الوعي؛
الواقع الراهن للالتزام بالممارسات التجارية المسئولة في المنطقة العربية ..البناء على الفرص
على الرغم من الحاجة الملحة لتوسيع قاعدة مؤسسات الاعمال العربية والحكومات والهيئات التنظيمية الملتزمة بمعايير ومبادىء حقوق الانسان ، إلا أن الواقع الراهن يشير الي وجود فرص يمكن البناء عليها والانطلاق منها نحو افاق اوسع في هذه القضية ، وربما تشير هذه الفرص الى حقيقة هامة ، وهي أن توجه مؤسسات الاعمال العربية وكذلك الهيئات الحكومية المعنية بتنظيم الاستثمار واسواق المال نحو الانخراط والانضمام للمبادرات العالمية ذات الصلة بالاستدامة والمسئولسية المجتمعية والبيئية وحقوق الإنسان يبدو أسرع وأكثر زخما من الجهود التي يجب ان تبذلها المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان في الدفع بهذا الاتجاه .
وهي مفارقة لها دلالتها ، وتستوجب من المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية سرعة تدارك هذه الفجوة والبناء على الفرص المتاحة والبدء من معطيات اللحظة الراهنة ، ويمكن ابراز أهم الفرص التي يجب النظر اليها بعين الاعتبار واخذها في الحسبان ونحن بصدد رسم مسار او خارطة طريق للتجارة المسئولة وتعزيز دور الدولة في الحماية بالمنطقة العربية كما يلي :-
أولا:- الاطر التنظيمية والتشريعات المشجعة على تبني معايير الاستدامة والحوكمة في المنطقة العربية
على مستوى التشريعات الوطنية، فإن القوانين المنظمة لممارسة الاعمال التجارية في كثير من الدول العربية سواء قوانين الاستثمار او قوانين الشركات او قوانين العمل او قوانين البيئة تتضمن بعض المواد المعززة للمسئولية الاجتماعية والبيئية ومعايير العمل اللائق ، الا انها لا تتسم ببروز الطابع الحقوقي في تعاملها مع هذه القضايا، فضلا عن انه لم تتبنى اي دولة عربية تشريعا شاملا لدمج حقوق الانسان في الممارسات التجارية على النحو الذي قامت به بعض الدول في اقاليم اخرى كالقارة الافريقية مثلا .
رغم ذلك قد يكون من الانصاف الاشارة هنا الي ان هيئات تنظيم سوق المال في بعض الدول العربية تبنت مبادرات جيدة ويمكن البناء عليها في هذا الاتجاه ، فعلي سبيل المثال لا الحصر اصدرت هيئة الرقابة المالية في مصر القرار رقم 108 لسنة 2021 لالزام الشركات المقيدة في البورصة بتقديم تقارير الافصاح البيئي والاجتماعي والحوكمة ذات الصلة بالاستدامة Environmental Social and Governance (ESG) ، وهي تتضمن جزء كبير من المعايير المنصوص عليها في الاتفاق العالمي للامم المتحدة UN Global Compact والقواعد التوجيهية المتعلقة بمسؤوليات الشركات وغيرها من مؤسسات الأعمال في مجال حقوق الإنسان، وعلى نفس الدرب سارت الكثير من هيئات البورصة وتنظيم سوق المال في الخليج والمغرب العربي .
ثانيا:- انضمام بعض الهيئات الحكومية ومؤسسات الاعمال العربية للمبادرات العالمية للاستدامة وحقوق الانسان
- هناك تعاطي ملحوظ من مؤسسات الاعمال العربية مع الاتفاق العالمي للامم المتحدة UN Global Compact ، حيث يبلغ عدد المؤسسات العربية المنضمة للاتفاق العالمي (1000 مؤسسة) بنسبة حوالي 5% من اجمالي المؤسسات المنضمة حول العالم ،وتضم دول الامارات العربية المتحدة ولبنان ومصر مجتمعة نحو 55% من اجمالي المؤسسات العربية المنضمة، كما تضم دول المملكة العربية السعودية وتونس والاردن والمغرب والكويت وقطر واليمن مجتمعة نحو 35% ، وتتوزع النسبة الباقية على باقي الدول العربية فيما عدا موريتانيا .وجيبوتي وجزر القمر.
- فيما يتعلق بموقف الهيئات الحكومية التنظيمية من الاتفاق العالمي للامم المتحدة فهناك عدد من هذه الهيئات منضمة بالفعل للاتفاق من بينها 3 هيئات من مصر ( هيئة الرقابة المالية – البورصة المصرية – جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر)، هيئتين من الامارات العربية المتحدة ( هيئة الطرق والنقل بدبي- شرطة دبي)، هيئتين من تونس ( الوكالة الوطنية للطاقة – مركز تونس الدولي لتقنيات البيئة)
- انضمام 33 من مؤسسات الاعمال العربية الى مبادىء الاستثمار المسئول UN PRI من بينها 17 مؤسسة اماراتية ، 4 مؤسسات سعودية ، 4 مؤسسات تونسية ، 3 مؤسسات من مصر ، مؤسستين من المغرب ، ومؤسسة واحدة من كل من قطر ،سلطنة عمان ، البحرين .
- انضمام 17 مؤسسة مصرفية عربية الى مبادىء الصيرفة المسئولة PRB تحت مظلة المبادرة المالية لبرنامج الامم المتحدة للبيئة UNEPFI ، منها 5 بنوك مصرية ، 3 بنوك اماراتية ، بنكين سعوديين ،بنكين من المغرب ، بنكين من البحرين ، وبنك واحد بكل من موريتانيا ، فلسطين ، سلطنة عمان
- انضمام 3 شركات تامين عربية لمبادىء التامين المستدام PSI تحت مظلة المبادرة المالية لبرنامج الامم المتحدة للبيئة UNEPFI بواقع شركة واحدة من كل من المغرب والاردن وقطر
- انضمام 13 من البورصات العربية الي مبادرة البورصات المستدامة SSEI وهي بورصات مصر والبحرين والاردن والكويت والمغرب وعمان وفلسطين وقطر والسعودية والصومال وتونس ، ابو ظبي ، دبي
ثالثا :- التوجهات العالمية نحو سلاسل التجارة المسئولة والمستدامة
بادرت العديد من التكتلات الاقتصادية الكبرى في العقود الاخيرة نحو اعتماد اجراءات وقواعد ومبادىء توجيهية تؤكد على اهمية سلاسل الامداد المسئولة والمستدامة في التجارة والاستثمار ، واصبحت هذه القواعد والاجراءات احد متطلبات الانخراط في سلاسل التجارة العالمية ، وباتت واحدة من نقاط التميز والمنافسة للسلع والبضائع فيما يتعلق بنفاذها للاسواق ، وبالتبعية لم تكن المنطقة العربية بعيدة عن هذا السياق، خاصة في ظل اهتمام الكثير من اقتصادياتها بمسالة التصدير وتوسيع قاعدة الاسواق التي تستهدفها
تعد المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية The OECD Guidelines for Multinational Enterprises on Responsible Business Conduct (OECD Guidelines) واحدة من اهم هذا النوع من المبادىء، والقواعد التوجيهية توصيات توجهها الحكومات المنخرطة في إعلان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن الاستثمار الدولي الشركات متعددة الجنسيات، إلى الشركات الوطنية أو متعددة الجنسيات التي تمارس أنشطتها في أي مكان في العالم.
وبالرغم من طبيعتها الطوعية إلا أن الدول المنخرطة في إعلان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قد التزمت بتنفيذها.
تهدف المبادئ التوجيهية إلى تعزيز المساهمة الإيجابية للشركات في التقدم الاقتصادي والبيئي والاجتماعي وتعزيز الثقة المتبادلة بين الشركات والمجتمعات وكذا تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي.
تم اعتماد المبادئ التوجيهية لأول مرة في عام 1976 ، ومنذ ذلك الحين تم إجراء العديد من التحديثات لتكييفها بشكل تدريجي مع متطلبات الاستثمار الدولي. تتعلق التغييرات الرئيسية بإدماج فصل جديد عن حقوق الإنسان ، و كذا إدماج مفهوم أكثر شمولاً للعناية الواجبة والإدارة المسؤولة لسلسلة الإمدادات
وقد انخرطت 48 دولة في إعلان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن الاستثمار الدولي والشركات متعددة الجنسيات.، وتوجد 48 نقطة اتصال وطنية عبر العالم منها في المنطقة العربية اربعة نقاط في اربع دول وهي مصر ، المغرب ، الاردن ، تونس ، وكلها هيئات حكومية تلعب دورا رئيسيا في تنظيم الاستثمار كالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر.
فضلا عن ذلك فقد كان هناك توجه لمؤسسات توحيد المعايير نحو دمج معايير حقوق الانسان والاستدامة، حيث قامت المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس بدمج المسئولية المجتمعية ضمن حزمة معايير الجودة 26000 ISOبشأن الإرشادات المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات التجارية ومنظمات أخرى.
نحو خارطة طريق لتعزيز البيئة التنظيمية المواتية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية
معطيات الوضع الراهن اقليميا وعالميا تستوجب مبادرة الحكومات والهيئات التنظيمية المعنية بالاعمال التجارية،فضلا عن المؤسسات الوطنية العربية لحقوق الانسان وكذلك منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الاعمال ذاتها بطرح ومناقشة وتعزيز التوجهات الوطنية لدمج معايير حقوق الانسان في الاعمال التجارية ،فمن جانب تولى الاليات الاممية اهمية متزايدة لهذا الموضوع ، ومن جانب اخر تتسابق التجمعات الاقتصادية العالمية نحو التوسع في دمج معايير حقوق الإنسان في الأعمال والعلاقات التجارية وسلاسل التوريد.
وفي ظل التحولات الاقتصادية والطموحات الاستثمارية والتجارية للكثير من دول المنطقة العربية، وبهدف تدعيم اركان تنافسية الاسواق العربية للتجارة والاستثمار، فإن هناك فرص مواتية يمكن البناء عليها لكسب تاييد واسع من الحكومات ومؤسسات الاستثمار والشركات ومنظمات المجتمع المدني لتبني نمط الممارسات التجارية المسئولية والمستدامة والملتزمة بمعايير حقوق الإنسان ، فضلا عن ان المؤسسات الوطنية العربية لديها فرصة تاريخية للانخراط بشكل اكبر في النقاش العالمي حول الاعمال التجارية وحقوق الإنسان والتعاون مع الاليات الاممية ذات الصلة لتطوير الصكوك الدولية المنظمة والوصول لاتفاقيات ملزمة على المستوى العالمي.
إن تحقيق هذه الغاية والوصول لخارطة طريق عربية لدمج الممارسات المسئولة في الاعمال التجارية في الادوات التنظيمية لشئون الاستثمار والتجارة يتطلب مجموعة من الاجراءات التي يجب ان تبناها الاطراف الفاعلة ذات الصلة وعلى راسها الحكومات ، ولعل ابرز هذه الاجراءات ما يلي :-
أولا : اجراءات مطلوبة من الحكومات وهيئات التشريع والمؤسسات التنظيمية
- مراجعة القوانين المنظمة للاستثمار المحلي والاجنبي وقوانين تاسيس الشركات وقوانين العمل لضمان توافقها مع المبادىء التوجيهية للامم المتحدة بشان الاعمال التجارية وحقوق الإنسان بما يضمن التوازن بين الطموحات الاستثمارية للدول من جانب واعتبارات حقوق الانسان من جانب اخر .
- تعزيز الية الافصاح والتقارير عن اداء الشركات في مجال حقوق الانسان كجزء من اداءها في مجال الحوكمة والجوانب البيئية والاجتماعية ، والبناء على الممارسات المتقدمة للعديد من هيئات البورصة وتنظيم سوق المال في المنطقة العربية .
- تطوير اختصاصات المحاكم الاقتصادية والتجارية التي تم انشائها في العديد من البلدان العربية ليشمل نظر الدعاوي المتعلقة بانتهاكات حقوق العمال وحقوق الإنسان بشكل عام .
- تشجيع الهيئات المسئولة عن تنظيم الاعمال التجارية والرقابة عليها للانضمام الى المبادرات العالمية للاستدامة والمسئولية في المجالات الاستثمارية والمصرفية وانشطة التامين وغيرها .
- ادماج موضوعات الحماية من انتهاكات حقوق الانسان في سياق الممارسات التجارية ضمن التقارير التي تشاركها الدول والحكومات مع الاليات الدولية لحماية حقوق الانسان ( لجان المعاهدات – المراجعة الدورية الشاملة).
ثانيا : اجراءات يمكن تقوم بها المؤسسات الوطنية العربية لحقوق الإنسان
- دمج قضية الاعمال التجارية وحقوق الإنسان كاحد مستهدفات الاستراتيجية الجديدة للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان :- حيث يجب استغلال فرصة قرب انتهاء الفترة الحالية للاستراتيجية المطبقة حاليا ، والبدء في عملية تشاور واسعة تفضي لتبني استراتيجية جديدة للسنوات الخمس القادمة يكون احد اهم محاورها ومستهدفاتها تعزيز وتوسيع الالتزام بمعايير حقوق الانسان في الاعمال والممارسات التجارية .
- تشكيل مجموعة عمل منبثقة عن الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تتولى دراسة وتشخيص الوضع الراهن لمدى توافق التشريعات والترتيبات المؤسسية للدول العربية مع احكام الاتفاق العالمي للامم المتحدة UN Global Compact ، والقواعد التوجيهية المتعلقة بمسؤوليات الشركات وغيرها من مؤسسات الأعمال في مجال حقوق الإنسان، ووضع مقترح لخارطة طريق تتضمن ادوارا لكافة الفاعلين ( الحكومات – المؤسسات الوطنية – المجتمع المدني – مؤسسات الاعمال) بهدف سد الفجوة القائمة وتعزيز الممارسات التجارية المسئولة والمستدامة في المنطقة العربية ، ويمكن ان تتسع دائرة اختصاص هذه المجموعة لتشمل وضع تصور شامل لتنظيم منتدى عربي للاعمال التجارية وحقوق الانسان ، تشارك فيه المؤسسات التجارية وهيئات الاستثمار والتجارة جنبا الى جنب مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان والحكومات وجامعة الدول العربية ، فضلا عن امكانية قيام مجموعة العمل بدور في دعم المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان لمواءمة استراتيجياتها وخططها مع متطلبات طرق الابواب في هذا الملف .
- مبادرة المؤسسات الوطنية العربية لتحديث استراتيجياتها وخططها التنفيذية لدمج قضية الممارسات التجارية المسئولة والالتزام بمعايير حقوق الانسان في الاعمال التجارية ودعوة الحكومات وقطاع الاعمال والشركات في بلدانها لتعزيز التوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة .
- زيادة اسهام الشبكة العربية للمؤسسات الوطتية لحقوق الانسان واعضائها في النقاش العالمي والاممي حول هذا الموضوع من خلال تعزيز المشاركة في دورات المنتدى السنوى للاعمال التجارية وحقوق الإنسان وتعزيز التعاون مع الفريق العامل المعني بموضوع حقوق الانسان والاعمال التجارية .
ثالثا : اجراءات منوطة بمؤسسات الاعمال العربية
- مواءمة الاستراتيجيات والسياسات الداخلية مع المعايير الدولية للاستدامة وحقوق الانسان
- زيادة الانخراط في والانضمام الى المبادرات العالمية ذات الصلة بالاستدامة وحقوق الانسان
- الاهتمام بتدريب وبناء قدرات كوادرها في مجال معايير والتزامات حقوق الانسان
[1] : استندت الورقة في هذا الجزء الى تقرير الممثل الخاص للأمين العام المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال المقدم للدورة السابعة عشر لمجلس حقوق الانسان ، A/HRC/17/31 – والى الدليل التفسيري لمسئولية الشركات عن احترام حقوق الانسان الصادر عن مكتب المفوض السامي في 2012 .
Leave a Comment
Your email address will not be published. Required fields are marked with *