الواقع الراهن للالتزام بالممارسات التجارية المسئولة في المنطقة العربية البناء على الفرص
على الرغم من الحاجة الملحة لتوسيع قاعدة مؤسسات الاعمال العربية والحكومات والهيئات التنظيمية الملتزمة بمعايير ومبادىء حقوق الانسان ، إلا أن الواقع الراهن يشير الي وجود فرص يمكن البناء عليها والانطلاق منها نحو افاق اوسع في هذه القضية ، وربما تشير هذه الفرص الى حقيقة هامة ، وهي أن توجه مؤسسات الاعمال العربية وكذلك الهيئات الحكومية المعنية بتنظيم الاستثمار واسواق المال نحو الانخراط والانضمام للمبادرات العالمية ذات الصلة بالاستدامة والمسئولسية المجتمعية والبيئية وحقوق الإنسان يبدو أسرع وأكثر زخما من الجهود التي يجب ان تبذلها المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان في الدفع بهذا الاتجاه .
وهي مفارقة لها دلالتها ، وتستوجب من المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية سرعة تدارك هذه الفجوة والبناء على الفرص المتاحة والبدء من معطيات اللحظة الراهنة ، ويمكن ابراز أهم الفرص التي يجب النظر اليها بعين الاعتبار واخذها في الحسبان ونحن بصدد رسم مسار او خارطة طريق للتجارة المسئولة في المنطقة العربية ما يلي :-
أولا:- انضمام مؤسسات الاعمال العربية للمبادرات العالمية للاستدامة وحقوق الانسان
- هناك تعاطي ملحوظ من مؤسسات الاعمال العربية مع الاتفاق العالمي للامم المتحدة UN Global Compact ، حيث يبلغ عدد المؤسسات العربية المنضمة للاتفاق العالمي (802 مؤسسة) بنسبة حوالي 3.7% من اجمالي المؤسسات المنضمة حول العالم ،وتتصدر لبنان الدول العربية من حيث عدد المؤسسات المنضمة (193 مؤسسة) ، فالامارات العربية المتحدة (183 مؤسسة) ، ثم مصر (92 مؤسسة)، ثم تونس (60 مؤسسة) ، السعودية (47 مؤسسة) والاردن (43 مؤسسة) والمغرب (27 مؤسسة) والكويت (27 مؤسسة) ،وقطر (19 مؤسسة)، والسودان (17 مؤسسة) وسوريا (15 مؤسسة) والعراق (14 مؤسسة) وجنوب السودان (10 مؤسسات) ، اليمن (8 مؤسسات)، سلطنة عمان (7 مؤسسات) ، البحرين ( 7 مؤسسات) فلسطين ( 7 مؤسسات)، ليبيا ( 3 مؤسسات) والصومال ( 3 مؤسسات)، بينما ليس هناك اي منظمة منضمة من الجزائر وموريتانيا .وجيبوتي وجزر القمر.
- انضمام 33 من مؤسسات الاعمال العربية الى مبادىء الاستثمار المسئول UN PRI من بينها 17 مؤسسة اماراتية ، 4 مؤسسات سعودية ، 4 مؤسسات تونسية ، 3 مؤسسات من مصر ، مؤسستين من المغرب ، ومؤسسة واحدة من كل من قطر ،سلطنة عمان ، البحرين .
- انضمام 17 مؤسسة مصرفية عربية الى مبادىء الصيرفة المسئولة PRB تحت مظلة المبادرة المالية لبرنامج الامم المتحدة للبيئة UNEPFI ، منها 5 بنوك مصرية ، 3 بنوك اماراتية ، بنكين سعوديين ،بنكين من المغرب ، بنكين من البحرين ، وبنك واحد بكل من موريتانيا ، فلسطين ، سلطنة عمان
- انضمام 3 شركات تامين عربية لمبادىء التامين المستدام PSI تحت مظلة المبادرة المالية لبرنامج الامم المتحدة للبيئة UNEPFI بواقع شركة واحدة من كل من المغرب والاردن وقطر
- انضمام 13 من البورصات العربية الي مبادرة البورصات المستدامة SSEI وهي بورصات البحرين والاردن ومصر والكويت والمغرب وعمان وفلسطين وقطر والسعودية والصومال وتونس ، ابو ظبي ، دبي
ثانيا :- الاطر التنظيمية والتشريعات المشجعة على تبني معايير الاستدامة والحوكمة في المنطقة العربية
على مستوى التشريعات الوطنية، فإن القوانين المنظمة لممارسة الاعمال التجارية في كثير من الدول العربية سواء قوانين الاستثمار او قوانين الشركات او قوانين العملاو قوانين البيئة تتضمن بعض المواد المعززة للمسئولية الاجتماعية والبيئية ومعايير العمل اللائق ، الا انها لا تتسم ببروز الطابع الحقوقي في تعاملها مع هذه القضايا، فضلا عن انه لم تتبنى اي دولة عربية تشريعا شاملا لدمج حقوق الانسان في الممارسات التجارية على النحو الذي قامت به بعض الدول في اقاليم اخرى كالقارة الافريقية مثلا .
رغم ذلك قد يكون من الانصاف الاشارة هنا الي ان هيئات تنظيم سوق المال في بعض الدول العربية تبنت مبادرات جيدة ويمكن البناء عليها في هذا الاتجاه ، فعلي سبيل المثال لا الحصر اصدرت هيئة الرقابة المالية في مصر القرار رقم 108 لسنة 2021 لالزام الشركات المقيدة في البورصة بتقديم تقارير الافصاح البيئي والاجتماعي والحوكمة ذات الصلة بالاستدامة Environmental Social and Governance (ESG) ، وهي تتضمن جزء كبير من المعايير المنصوص عليها في الاتفاق العالمي للامم المتحدة UN Global Compact والقواعد التوجيهية المتعلقة بمسؤوليات الشركات وغيرها من مؤسسات الأعمال في مجال حقوق الإنسان، وعلى نفس الدرب سارت الكثير من هيئات البورصة وتنظيم سوق المال في الخليج والمغرب العربي .
ثالثا :- التوجهات العالمية نحو سلاسل التجارة المسئولة والمستدامة
بادرت العديد من التكتلات الاقتصادية الكبرى في العقود الاخيرة نحو اعتماد اجراءات وقواعد ومبادىء توجيهية تؤكد على اهمية سلاسل الامداد المسئولة والمستدامة في التجارة والاستثمار ، واصبحت هذه القواعد والاجراءات احد متطلبات الانخراط في سلاسل التجارة العالمية ، وباتت واحدة من نقاط التميز والمنافسة للسلع والبضائع فيما يتعلق بنفاذها للاسواق ، وبالتبعية لم تكن المنطقة العربية بعيدة عن هذا السياق، خاصة في ظل اهتمام الكثير من اقتصادياتها بمسالة التصدير وتوسيع قاعدة الاسواق التي تستهدفها
تعد المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية The OECD Guidelines for Multinational Enterprises on Responsible Business Conduct (OECD Guidelines) واحدة من اهم هذا النوع من المبادىء والقواعد التوجيهية
توصيات توجهها الحكومات المنخرطة في إعلان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن الاستثمار الدولي الشركات متعددة الجنسيات، إلى الشركات الوطنية أو متعددة الجنسيات التي تمارس أنشطتها في أي مكان في العالم.
، وبالرغم من طبيعتها الطوعية إلا أن الدول المنخرطة في إعلان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قد التزمت بتنفيذها.
تهدف المبادئ التوجيهية إلى تعزيز المساهمة الإيجابية للشركات في التقدم الاقتصادي والبيئي والاجتماعي وتعزيز الثقة المتبادلة بين الشركات والمجتمعات وكذا تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي.
تم اعتماد المبادئ التوجيهية لأول مرة في عام 1976 ، ومنذ ذلك الحين تم إجراء العديد من التحديثات لتكييفها بشكل تدريجي مع متطلبات الاستثمار الدولي. تتعلق التغييرات الرئيسية بإدماج فصل جديد عن حقوق الإنسان ، و كذا إدماج مفهوم أكثر شمولاً للعناية الواجبة والإدارة المسؤولة لسلسلة الإمدادات
وقد انخرطت 48 دولة في إعلان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن الاستثمار الدولي والشركات متعددة الجنسيات.، وتوجد 48 نقطة اتصال وطنية عبر العالم منها في المنطقة العربية اربعة نقاط في اربع دول وهي مصر ، المغرب ، الاردن ، تونس.
خاتمة
في ظل التحولات الاقتصادية والطموحات الاستثمارية والتجارية للكثير من دول المنطقة العربية، وبهدف تدعيم اركان تنافسية الاسواق العربية للتجارة والاستثمار، فإن هناك فرص مواتية يمكن البناء عليها لكسب تاييد واسع من الحكومات ومؤسسات الاستثمار والشركات ومنظمات المجتمع المدني لتبني نمط الممارسات التجارية المسئولية والمستدامة والملتزمة بمعايير حقوق الإنسان .
إن تحقيق هذه الغاية والوصول لخارطة طريق عربية لدمج الممارسات المسئولة في الاعمال التجارية يتطلب مجموعة من الاجراءات لعل أهمها مواءمة الاستراتيجيات والسياسات الداخلية للشركات ومؤسسات الاعمال مع المعايير الدولية للاستدامة وحقوق الانسان ، وزيادة الانخراط في والانضمام الى المبادرات العالمية ذات الصلة بالاستدامة وحقوق الانسان ، واهتمام الشركات ومؤسسات الاعمال بتدريب وبناء قدرات كوادرها في مجال معايير الاستدامة والاستثمار المسئول .