مبادئ الصيرفة المسؤولة: النطاق والأهمية

تُعد الصيرفة المسؤولة مفهومًا حديثًا نسبيًا في القطاع المصرفي، حيث تسعى المؤسسات المالية إلى تحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية والبيئية. تهدف هذه المبادئ إلى توجيه البنوك نحو ممارسات مستدامة تدعم الاقتصاد والمجتمع دون الإضرار بالبيئة.

الصيرفة المسؤولة هي نهج مصرفي يدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في عمليات واتخاذ القرارات المصرفية. يسعى هذا النموذج إلى تعزيز التنمية المستدامة من خلال تقديم منتجات مالية وخدمات تدعم المشاريع المستدامة، وتراعي تأثيرات القرارات المصرفية على المجتمع والبيئة، أطلقت “مبادئ الصيرفة المسؤولة” عام 2019 من قبل مبادرة التمويل التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP FI). تتضمن هذه المبادئ:

  1. المواءمة (Alignment): يجب أن تتماشى الاستراتيجيات المصرفية مع أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس للمناخ.
  2. التأثير والمسؤولية (Impact & Accountability): تقييم التأثيرات البيئية والاجتماعية لأنشطة المصرف وتطوير استراتيجيات لمعالجتها.
  3. العملاء (Clients & Customers): التعاون مع العملاء لتعزيز الممارسات المستدامة وتقديم الحلول المالية الداعمة للاستدامة.
  4. أصحاب المصلحة (Stakeholders): إشراك أصحاب المصلحة لضمان توافق الأهداف المصرفية مع المصالح المجتمعية.
  5. الحوكمة والثقافة (Governance & Culture): دمج الاستدامة في الثقافة المؤسسية وهياكل الحوكمة.
  6. الشفافية والمسؤولية (Transparency & Accountability): الإفصاح عن التقدم المحرز في تنفيذ هذه المبادئ من خلال التقارير الدورية.

تعكس الصيرفة المسؤولة تحولًا جذريًا في القطاع المصرفي من التركيز التقليدي على الأرباح قصيرة الأجل إلى تبني نهج مستدام طويل الأمد. وتشمل الفوائد الرئيسية:

  • تعزيز الاستدامة المالية وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمارات غير المستدامة.
  • تحسين سمعة المصارف وزيادة ثقة العملاء والمستثمرين.
  • دعم الاقتصاد الأخضر والمشاريع الاجتماعية، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

 

موقف البنوك المصرية من الانضمام لمبادئ الصيرفة المسؤولة

في مصر، أبدى البنك المركزي المصري اهتمامًا كبيرًا بتعزيز الاستدامة المالية، حيث أصدر عدة توجيهات تشجع البنوك على تبني سياسات بيئية واجتماعية وحوكمية. كما انضمت بعض البنوك المصرية إلى المبادرة،  أهمها: لبينك العربي الإفريقي ،البنك التجاري الدولي (CIB)، البنك الأهلي المصري ، بنك مصر ، بنك القاهرة، بنك الإسكندرية، بنك قطر الوطني

رغم هذه الجهود، لا تزال هناك تحديات تواجه البنوك العربية والمصرية في تطبيق هذه المبادئ بشكل كامل، مثل الحاجة إلى بنية تحتية قوية للتمويل المستدام وزيادة الوعي حول فوائد الصيرفة المسؤولة بين العملاء والمستثمرين.

تولي البنوك المصرية اهتمامًا متزايدًا بمبادئ الصيرفة المسؤولة، حيث أصدرت عدة بنوك تقارير تسلط الضوء على التزامها بالتمويل المستدام والممارسات المصرفية المسؤولة. فيما يلي بعض الأمثلة البارزة:

وقد أصدر البنك الأهلي المصري تقريره الثاني عن مبادئ الصيرفة المسؤولة بعنوان “مبادئ الصيرفة المسؤولة.. السير على طريق التأثير” للعام المالي 2023. يستعرض التقرير تأثير محفظة البنك على المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ويؤكد التزام البنك بمواءمة استراتيجيته مع أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس للمناخ.، كما نشر بنك الإسكندرية تقرير التقييم الذاتي لمبادئ الصيرفة المسؤولة، والذي يوضح كيفية دمج البنك لمبادئ الاستدامة في عملياته اليومية. يُبرز التقرير التزام البنك بالرفاهية المجتمعية والبيئية، وسعيه نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.

أيضا أصدر البنك التجاري الدولي تقارير سنوية عن مبادئ الصيرفة المسؤولة، تتضمن تقييمات ذاتية وتفاصيل حول تأثير أنشطته على البيئة والمجتمع. تُظهر هذه التقارير التزام البنك بتعزيز ممارسات الاستدامة والشفافية في عملياته.

كما نشر البنك العربي الأفريقي الدولي تقريره الرابع حول مبادئ الصيرفة المسؤولة، مؤكدًا على بناء شراكات استراتيجية وتعزيز ممارسات مصرفية مسؤولة. يُبرز التقرير أهمية إشراك أصحاب المصلحة في تحقيق أهداف الاستدامة.

تعكس هذه التقارير جهود البنوك المصرية في دمج مبادئ الصيرفة المسؤولة ضمن استراتيجياتها، مما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني.

رغم الفوائد العديدة، تواجه الصيرفة المسؤولة تحديات مثل الحاجة إلى تغيير نماذج الأعمال التقليدية، ومواءمة التشريعات، وقياس التأثيرات البيئية والاجتماعية بدقة. ومع ذلك، توفر هذه المبادئ فرصًا للنمو من خلال الابتكار المالي وتطوير منتجات مستدامة تلبي احتياجات العملاء المتزايدة في هذا المجال.

بشكل عام  تلعب الصيرفة المسؤولة دورًا محوريًا في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية والاجتماعية. ومن خلال الالتزام بهذه المبادئ، يمكن للمؤسسات المصرفية أن تساهم في بناء نظام مالي أكثر استدامة ومسؤولية، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل. لذا، من الضروري أن تتبنى البنوك استراتيجيات واضحة لتنفيذ هذه المبادئ وتعزيز تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد العالمي